روى الطبرى قال
قال كان من حديث ابن ملجم وأصحابه أن ابن ملجم والبرك بن عبدالله وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس وعابوا على ولاتهم ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم وقالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم إخواننا فقال ابن ملجم أنا أكفيكم علي بن أبي طالب وكان من أهل مصر وقال البرك بن عبدالله أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان وقال عمرو بن بكر أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه فأخذوا أسيافهم فسموها واتعدوا لسبع عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه واقبل كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب
فأما ابن ملجم المرادي فكان عداده في كندة فخرج فلقي أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا من أمره فإنه رأى ذات يوم أصحابا من تيم الرباب وكان علي قتل منهم يوم النهر عشرة فذكروا قتلاهم ولقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها قطام ابنة الشجنة وقد قتل اباها وأخاها يوم النهر وكانت فائقة الجمال فلما رآها التبست بعقله ونسي حاجته التي جاء لها ثم خطبها فقالت لا أتزوجك حتى تشفي لي قال وما يشفيك قالت ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب قال هو مهر لك فأما قتل علي فلا أراك ذكرته لي وأنت تريديني قالت بلى التمس غرته فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي ويهنئك العيش معي وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وزينتها وزينة أهلها قال فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي فلك ما سألت قالت إني أطلب لك من يسند ظهرك ويساعدك على أمرك فبعثت إلى رجل من قومها من تيم الرباب يقال له وردان فكلمته فأجابها وأتى ابن ملجم رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له هل لك في شرف الدنيا والآخرة قال وما ذاك قال قتل علي بن أبي طالب قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا كيف تقدر على علي قال أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها قال ويحك لو كان غير علي لكان أهون علي قد عرفت بلاءه في الإسلام وسابقته مع النبي صلى الله عليه و سلم وما أجدني أنشرح لقتله قال أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين قال بلى قال فنقتله بمن قتل من إخواننا فأجابه فجاؤوا قطام وهي في المسجد الأعظم معتكفة فقالوا لها قد أجمع رأينا على قتل علي قالت فإذا أردتم ذلك فأتوني ثم عاد إليها ابن ملجم في ليلة الجمعة التي قتل في صبيحتها علي سنة أربعين فقال هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي أن يقتل كل منا صاحبه فدعت لهم بالحرير فعصبتهم به وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي فلما خرج ضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق وضربه ابن ملجم في قرنه بالسيف وهرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بني أبيه وهو ينزع الحرير عن صدره فقال ما هذا الحرير والسيف فأخبره بما كان وانصرف فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله
وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس وصاح الناس فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر وفي يد شبيب السيف فأخذه وجثم عليه الحضرمي فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه وسيف شبيب في يده خشي على نفسه فتركه ونجا شبيب في غمار الناس فشدوا على ابن ملجم فأخذوه إلا أن رجلا من همدان يكنى أبا أدماء أخذ سيفه فضرب رجله فصرعه وتأخر علي ورفع في ظهره جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس الغداة ثم قال علي علي بالرجل فأدخل عليه ثم قال أي عدو الله ألم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا قال شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه فقال عليه السلام لا أراك إلا مقتولا به ولا أراك إلا من شر خلقه
وذكروا أن ابن ملجم قال قبل أن يضرب عليا وكان جالسا في بني بكر بن وائل إذ مر عليه بجنازة أبجر بن جابر العجلي أبي حجار وكان نصرانيا والنصارى حوله وأناس مع حجار لمنزلته فيهم يمشون في جانب وفيهم شقيق بن ثور فقال ابن ملجم ما هؤلاء فأخبر الخبر فأنشأ يقول ...
لئن كان حجار بن أبجر مسلما ... لقد بوعدت منه جنازة أبجر ...
وإن كان حجار بن أبجر كافرا ... فما مثل هذا من كفور بمنكر ...
أترضون هذا أن قيسا ومسلما ... جميعا لدى نعش فيا قبح منظر ...
فلولا الذي أنوي تفرقت جمعهم ... بأبيض مصقول الدياس مشهر ...
ولكنني أنوي بذاك وسيلة ... إلى الله أو هذا فخذ ذاك أو ذر ...
المصدر: تاريخ الطبرى
No comments:
Post a Comment