Monday, October 1, 2012

المعتضد والقرامطة



روى المقريزى قال

اتصل بالمعتضد بالله خبرأبى سعيد القرمطى ، فخاف منه على البصرة، فأنفذ العباس بن عمرو الغنوي في ألفي رجل، وولاه البحرين، فخرج في سنة تسع وثمانين ومائتين والتقى مع أبي سعيد، فانهزم أصحابه، وأسر العباس في نحو من سبعمائة رجل من أصحابه، واحتووا على عسكره، وقتل من غده جميع الأسرى، ثم أحرقهم وترك العباس؛ ومضى المنهزمون فتاه أكثرهم في البر، وتلف كثير منهم عطشاً، وورج بعضهم إلى البصرة، فارتاع الناس وأخذوا في الرحيل عن البصرة.

ثم لما كان بعد الوقعة بأيام أحضر أبو سعيد العباس بن عمرو وقال له. أتحب أن أطلقك ؟ قال: نعم. قال: على أن تبلغ عني ما أقول صاحبك. قال: أفعل. قال: تقول له: الذي أنزل بجيشك ما أنزل بغيك، هذا بلد خارج عن يدك، غلبت عليه، وقمت به، وكان بي من الفضل ما آخذ به غيره، فما عرضت لما كان في يدك، ولا هممت به، ولا أخفت لك سبيلا، ولا نلت أحداً من رعيتك بسوء؛ فتوجيهك إلي الجيوش لأي سبب ؟ اعلم أني لا أخرج عن هذا البلد، ولا توصل إليه وفي هذه العصابة التي معي روح، فأكفني نفسك، ولا تتعرض لما ليس لك فيه فائدة، ولا تصل إلى مرادك منه إلا ببلوغ القلوب الحناجر.

وأطلقه، وبعث معه من يرده إلى مأمنه، فوصل إلى بغداد في شهر رمضان، وقد كان الناس يعظمون أمره ويكثرون ذكره، ويسمونه قائد الشهداء، فلما وصل إلى المعتضد عاتبه على تركه التحرز فاعتذر، ولم يبرح حتى رضى عنه.

وسأله عن خبره، فعرفه جميعه، وبلغه ما قال القرمطي، فقال: صدق، ما أخذ شيئاً كان في أيدينا.

وأطرق مفكرا، ثم رفع رأسه وقال: كذب عدو الله الكافر، المسلمون رعيتي حيث كانوا من بلاد الله، والله لئن طال بي عمري لأشخصن بنفسي إلى البصرة وجميع غلماني، ولأوجهن إليه جيشاً كثيفا، فإن هزمه وجهت جيشا، فإنه هزمه خرجت في جميع قوادي وجيشي إليه حتى يحكم الله بيني وبينه.

فشغل المعتضد عن القرمطي بأمر وصيف غلام أبي الساج. ثم توفي في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وما يزال يذكر أبا سعيد الجنابي في مرضه، ويتلهف ويقول: حسرة في نفسي كنت أحب أن أبلغها قبل موتي، والله لقد كنت وضعت عند نفسي أن أركب ثم أخرج نحو البحرين، ثم لا ألقى أحدا أطول من سيفي إلا ضربت عنقه، وإني أخاف أن يكون من هناك حوادث عظيمة.

وأقبل أبو سعيد بعد إطلاق العباس على جمع الخيل، وإعداد السلاح، ونسج الدروع والمغافر، واتخاذ الإبل، وإصلاح الرجال، وضرب السيوف والأسنة، واتخاذ الروايا والمزاد والقرب، وتعليم الصبيان الفروسية، وطرد الأعراب من قريته، وسد الوجوه التي يتعرف منها أمر بلده وأحواله بالرجال، وإصلاح أراضي المزارع وأصول النخل، وإصلاح مثل هذه الأمور وتفقدها، ونصب الأمناء على ذلك، وأقام العرفاء على الرجال، واحتاط على ذلك كله، حتى بلغ من تفقده أن الشاة إذا ذبحت يتسلم العرفاء اللحم ليفرقوه على من ترسم لهم، ويدفع الرأس والأكارع والبطن إلى العبيد والإماء، ويجز الصوف والشعر من الغنم ويفرقه على من يغزله، ثم يدفعه إلى من ينسجه عبيا وأكسية وغرائر وجوالقات، ويفتل منه حبال، ويسلم الجلد إلى الدباغ، ثم إلى خرازى القرب والروايا، والمزاد؛ وما كان من الجلود يصلح نعالا وخفا فأعمل منه، ثم يجمع ذلك كله إلى خزائن.

فكان ذلك دأبه لا يغفله، ويوجه كل قليل خيلا إلى ناحية البصرة، فتأخذ من وجدت، وتصير بهم إليه ويستعبدهم، فزادت بلاده، وعظمت هيبته في صدور الناس. وواقع بني ضبة وقائع مشهورة فظفر بهم، وأخذ منهم خلقا، وبنى لهم حبسا عظيما جمعهم فيه، وسده عليهم، ومنعهم الطعام والشراب، فصاحوا فلم يغثهم، فمكثوا على ذلك شهرا، ثم فتح عليهم فوجد أكثرهم موتى، ويسيرا بحال الموتى وقد تغذوا بلحوم الموتى، فحصاهم وخلاهم فمات أكثرهم.

وكان قد أخذ من عسكر العباس خادما له جعله على طعامه وشرابه، فمكث الخادم مدة طويلة لا يرى أبا سعيد فيها مصليا صلاةً واحدة، ولا يصوم في شهر رمضان ولا في غيره، فأضمر الخادم قتله، حتى إذا دخل الحمام معه وكانت الحمام في داره فأعد الخادم خنجرا ماضيا والحمام خال فلما تمكن منه ذبحه، ثم خرج فقال: يدعى فلان، لبعض بني سنبر فأحضر، فلما دخل قبضه وذبحه، فلم يزل ذلك دأبه حتى قتل جماعةً من الرؤساء والوجوه، فدخل آخرهم فإذا في البيت الأول دم جار، فارتاب وخرج مبادرا، وأعلم الناس، فحصروا الخادم حتى دخلوه، فوجدوا الجماعة صرعى، وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة، وقيل اثنتين وثلاثمائة، وكان قتله بأحساء من البحرين.

وكانت سنه يوم قتله نيفا وستين سنة.

المصدر: اتعاظ الحنفاء للمقريزى 

No comments:

Post a Comment

  • Read this blog in another language