Tuesday, March 13, 2012

عن الفرس والعرب ويزدجرد وابنه بهرام والمنذر والنعمان بن المنذر - بين ملك الحضر وملك البادية

روى الطبرى قال 

ملك بعد يزدجرد الأثيم ابنه بهرام جور بن يزدجرد وذكر أن مولده كان هرمزدروز فروردين ماه لسبع ساعات مضين من النهار فإن أباه يزدجرد دعا ساعة ولد بهرام ممن كان ببابه من المنجمين فأمرهم بإقامة كتاب مولده وتبينه بيانا يدل على الذي يؤول إليه كل أمره فقاسوا الشمس ونظروا في مطالع النجوم ثم أخبروا يزدجرد أن الله مورث بهرام ملك أبيه وأن رضاعه بغير أرض يسكنها الفرس وأن من الرأي أن يربى بغير بلاده فأجال يزدجرد الرأي في دفعه في الرضاع والتربية إلى بعض من ببابه من الروم أو العرب أو غيرهم ممن لم يكن من الفرس فبدا له في اختيار العرب لتربيته وحضانته فدعا بالمندر بن النعمان واستحضنه بهرام وشرفه وأكرمه وملكه على العرب وحباه بمرتبتين سنيتين تدعى إحداهما رام أبزوذيزدجرد وتأويله زاد سرور يزدجرد والأخرى تدعى بمهشت وتأويلها أعظم الخول وأمر له بصلة وكسوة بقدر استحقاقه لذلك في منزلته وأمره أن يسير ببهرام إلى بلاد العرب 

فسار به المنذر إلى محلته منها واختار لرضاعه ثلاث نسوة ذوات أجسام صحيحة وأذهان ذكية وآداب رضية من بنات الأشراف منهن امرأتان من بنات العرب وامرأة من بنات العجم وأمر لهن بما أصلحهن من الكسوة والفرش والمطعم والمشرب وسائر ما احتجن إليه فتداولن رضاعه ثلاث سنين وفطم في السنة الرابعة حتى إذا أتت له خمس سنين قال للمنذر أحضرني مؤدبين ذوي علم مدربين بالتعليم ليعلموني الكتابة والرمي والفقه 

فوجه المنذرمن أتاه برهط من فقهاء الفرس ومعلمي الرمي والفروسية ومعلمي الكتابة وخاصة ذوي الأدب وجمع له حكماء من حكماء فارس والروم ومحدثين من العرب فألزمهم بهرام ووقت لأصحاب كل مذهب من تلك المهن وقتا يأتونه فيه وقدر لهم قدرا يفيدونه ما عندهم فتفرغ بهرام لتعلم كل ما سأل أن يتعلم وللاستماع من أهل الحكمة وأصحاب الحديث ووعى كل ما استمع وثقف كل ما علم بأيسر تعليم وألفي بعد أن بلغ اثنتي عشرة سنة وقد استفاد كل ما أفيد وحفظه وفاق معلميه ومن حضره من أهل الأدب حتى اعترفوا له بفضله عليهم 

ولما هلك أبوه يزدجرد وبهرام غائب فتعاقد ناس من العظماء وأهل البيوتات ألا يملكوا أحدا من ذرية يزدجرد لسوء سيرته وقالوا إن يزدجرد لم يخلف ولدا يحتمل الملك غير بهرام ولم يل بهرام ولاية قط يبلى بها خبره ويعرف بها حاله ولم يتأدب بأدب العجم وإنما أدبه أدب العرب وخلقه كخلقهم لنشئه بين أظهرهم واجتمعت كلمتهم وكلمة العامة على صرف الملك عن بهرام إلى رجل من عترة أردشير بن بابك يقال له كسرى ولم يقيموا أن ملكوه فانتهى هلاك يزدجرد والذي كان من تمليكهم كسرى إلى بهرام وهو ببادية العرب فدعا بالمنذر والنعمان ابنه وناس من علية العرب وقال لهم إني لا أحسبكم تجحدون خصيصي والدي كان أتاكم معشر العرب بإحسانه وإنعامه كان عليكم مع فظاظته وشدته كانت على الفرس وأخبرهم بالذي أتاه من نعي أبيه وتمليك الفرس من ملكوا عن 
تشاور منهم في ذلك 

فقال المنذر لا يهولنك ذلك حتى ألطف الحيلة فيه وإن المنذر جهز عشرة آلاف رجل من فرسان العرب ووجههم مع ابنه إلى طيسبون وبهأردشير مدينتي الملك وأمره أن يعسكر قريبا منهما ويدمن إرسال طلائعه إليهما فإن تحرك أحد لقتاله وأغار على ما والاهما وأسر وسبى ونهاه عن سفك الدماء فسار النعمان حتى نزل قريبا من المدينتين ووجه طلائعه إليهما واستعظم قتال الفرس وإن من بالباب من العظماء وأهل البيوتات أوفدوا جوانى صاحب رسائل يزدجرد إلى المنذر وكتبوا إليه يعلمونه أمر النعمان

فرد المنذر جوانى إلى من أرسله إليه واستعد وسار بعد فصول جوانى من عنده بيوم ببهرام في ثلاثين ألف رجل من فرسان العرب وذوي البأس والنجدة منهم إلى مدينتي الملك حتى إذا وردهما أمر فجمع الناس وجلس بهرام على منبر من ذهب مكلل بجوهر وجلس المنذر عن يمينه وتكلم عظماء الفرس وأهل البيوتات وفرشوا للمنذر بكلامهم فظاظة يزدجرد أبي بهرام كانت وسوء سيرته وأنه أخرب بسور رأيه الأرض وأكثر القتل ظلما حتى قد قتل الناس في البلاد التي كان يملكها وأمورا غير ذلك فظيعة وذكروا أنهم إنما تعاقدوا وتواثقوا على صرف الملك عن ولد يزدجرد لذلك وسألوا المنذر ألا يجبرهم في أمر الملك على ما يكرهونه

ثم إن بهرام ملك وهو ابن عشرين سنة وأمر من يومه ذلك أن يلزم رعيته راحة ودعة وجلس للناس بعد ذلك سبعة أيام متوالية يعدهمالخير من نفسه ويأمرهم بتقوى الله وطاعته

المصدر: تاريخ الطبري 

No comments:

Post a Comment

  • Read this blog in another language